|
الكاتب : الحدث 2021-04-26 11:42:26

مامن شك تأتي لحظات يستيقظ فيها الضمير الغائب ويرفض كل ما ينافي فطرته، البعض منا يوغل في الفساد ولا يجدَ له رادعًا، ومهما حاول الضمير أن يتجرد من كينونته الإنسانية، إلاّ ويجد هناك مانع يستيقظ فيه هُنيهةً يحاول ترميم ما تم هدمه من مبادئ. فلا يستطيع أن يتجرد بالكلية في ساعة الغفلة، فمتلازمة التأنيب لا تغادره، في نزاع مستمر ما بينه وبين شعور الذنب والغفلة.

وفي هذا قد يحدث أن ضمير اليقظة يتجسد في الواقع حتى يسيطر على الوجدان لينقذ صاحبه من ويلاتٍ وخيمة قد لا يُحمد عُقباه، وما يحدث ذلك إلاّ لأن الوجدان لا زال فيه بقية من رصيد الإيمان، ولكن أخذتها هُنيهة الغفلة التي أوغلت في أفكارها كالسم الزعاف. وهذا ما حدث لأحد أصدقائي حينما تجسد له ضميره على هيئة ملاك، جاء ليقبض روحه، تجسد ذلك وكأنه في اليقظة، اختلط عليه الواقع والخيال، لتنتابه نوبات من الهلع تحاول أن توقظ فيه بقية الضمير المغيب عن حقيقة الإيمان وسمو الأخلاق.

أيقظه من سباته الذي كاد أن يغرقه في أحلام اليقظة المهلكة الذي لا ينتهي معه إلا بخسران الذات في الدنيا والآخرة. جعله يرى شريط حياته الذي اغرقه في أطناب الذنوب والعصيان، حتى فقدَ أبويه الأمل و وكَّلا أمره إلى الله. رأى ذلك الشاب قبره أمام عينيه وأدرك أن الثرى أوشك أن يكون لحافه. بل ملأ الخوف قلبه وقسمَ اللهُ له من خشيته ما يجعله يُعيد شريط حياته، فأدرك أن لا خلاص من محنته إلا إعادة ترميم قنطرة الإيمان مع الله، ويرفع أكف التضرع والرجاء يناشد الرحمن، أن يعفو عنه ويرحمه، فلا قنوط مع الأمل. فالذي جعل عُمراً قرآناً يمشي على الأرض، قادرٌ على أن يقلب صفحتك إلى صفحات الرشد والهداية. فتيقن ياعبدالله أن الله يفتح لك أبواب الرضا والرحمات إن عزمت التوبة ونفضت عن كاهلك غبار العصيان والذنوب.

فإن هادم اللذات إن تجاوزك اليوم فحتمًا سيزورك في الغد، فكن فطنًا وتأهب قد ترتجل عن سفينة الدنيا في أي وقت، لا تعلم إن كنت حينها نائمًا أو مستيقظًا، فإن الموت واحدٌ وإن تعددت الأسباب. انثر الخير كما ينثر الريح نسمات الحياة بين الأودية والجبال، كن ريح خيرٍ ولا تكن إعصار شرٍ، فإن حياتك فلمٌ تصنعه أنت لنفسك، وتخشى أن لا يراه أحدٌ من أهلك، فأحسن التمثيل فإنه سيُعرض يوم لا ينفعُ فيه مالٌ ولا بنون. 

فأما الشاب قد آمن بوعدَ ربه وغدًا من الصالحين، يزور المريض ويواسي العزاء، يفرح لفرح الآخرين ويحزن لحزنهم. بل أنه أصبح قرة عين والديه، بعد أن رأى برهان ربه، فمن منا لا يتمنى أن يحدث له مثل ذلك لكي يعود إلى جادة الصواب، وينتفض من تحت ركام العصيان والذنوب، يجدد العهد والولاء لله تعالى ويبني قنطرته على أُسس الرضا إلى طريق الجنة عرضها السموات والأرض.

اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلًا وجنبنا اتباعه، ولا تمتنا إلا على المحجة البيضاء. والله غالبٌ على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

 

بقلم : عثمان الأهدل
 _oalahdal@